تفاصيل الحلقة

الحلقة السادسة: مواجهة الفتن بالثبات على المبدأ

1445
مشاركة الحلقة
image

إعداد: نور الهدى أحمد تقديم: آيات حسون المونتاج الإذاعي: علا نعمة دار محور هذه الحلقة حول مواجهة الفتن بالثبات على المبدأ حيث أن من السنن الإلهية في الحياة الدنيا: الاختبار التجريبي للإنسان، والابتلاء بشتى الأغراض بقصد الامتحان، والمؤمن الرسالي المتسلّح بالوعي والذكاء والشفافية والإحساس العميق هو الذي يجتاز هذا الامتحان بنجاح باهر، فيخوض معركة فاصلة بين الصبر والجزع، ويسبح في تيار متقابل بين الانحراف والاستقامة، وبالخروج من هذا المأزق الكبير يتميّز الخبيث من الطيّب نفسًا وعملًا وميزانًا. وروايات الظهور تتحدث عن الفتن بلغة حتمية، فعن الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (سَتَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ، ... يَكُونُ فِيهَا حَرْبٌ وَهَرَبٌ، ثُمَّ بَعْدَهَا فِتَنٌ أَشَدُّ مِنْهَا، ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ، كُلَّمَا قِيلَ: انْقَطَعَتْ، تَمَادَتْ، حَتَّى لا يَبْقَى بَيْتٌ إِلا دَخَلَتْهُ، وَلا مُسْلِمٌ إِلا صَكَّتْهُ، حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي). ومعنى هذا أن سيلًا من الفتن الهوجاء العاصفة سوف تجتاح المسلمين بعامّة، وتدخل ديار العرب والإسلام دارًا دارًا، وهي متتابعة بالاستمرار والتمادي، فما إن تهدأ حتى تثور، وما إن تنطفئ حتى تشتعل. روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: (لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميّزوا، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تغربلوا، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى يشقى من شقي ويسعد من سعد). وليس جديدًا على البشرية امتحان أمم الشعوب والقبائل، بل حتى الأفراد بالفتن والمحن، جاء هذا بدليل قوله تعالى: (الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ). وذلك أن مجرد ادعاء الإيمان لا يكفي وحده إلى إثباته متكاملًا، فالإيمان درجات، والإنسان في كل العصور ينبغي أن يخضع للتجربة الاختبارية لدى اصطدامه بالفتن الظلماء، وتلك الفتن هي التي تصقل نفوس المؤمنين وتوقظها إحساسًا بالمسؤولية، وتجربة في الثبات على المبدأ، وهي التي ترسم الخط الفاصل بين الصادقين والكاذبين في صحة الإيمان وعدمه. وكان الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام قد أجاب عن ماهية الفتن في الآية السابقة بقوله لمعمر بن خلاد، ما الفتنة؟ قال: جعلت فداك، وعندنا الفتنة في الدين!! فقال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: (يفتنون كما يفتن الذهب، ثم يخلصون كما يخلص الذهب). وفي ذلك يتمّ التمييز بين المؤمن الصلب والمنافق المهزوز، اختبارًا من الله للعباد، إذ لم يتركهم سدى دون امتحان. قال تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ). وقد أنبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن طبيعة هذه الفتنة ومفارقاتها بالقول: (لابدّ من فتنة تبتلى بها هذه الأمة بعد نبيها ليتعيّن الصادق من الكاذب. لأنّ الوحي قد انقطع، وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة). جاء ذلك تعقيبًا من النبي حينما نزلت الآيات المتقدمة. وقد حذّر القرآن من الفتنة، وأمر باتقائها في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). ومن الأهمية بمكان أنّ هذا الأمر بالاتقاء من الفتنة يعني الاستعداد لدرئها والعمل على دفعها، والمبادرة إلى إخماد نارها، بالتحصّن الذاتي من الوقوع بها، وبالتصدّي لإفرازاتها والقضاء عليها، كل حسب موقعه من التكليف الشرعي، وبشتى الأساليب التي يمكن استخدامها لهذا الغرض. وبناء على الأخبار التي استفاضت بوقوع الفتن في آخر الزمان، فينبغي أن يكون المؤمن حذرًا متيقظًا لئلا يندرج في سجل الظالمين، ومن أجل بقائه في عصمة من الهلكة فعليه أنْ يثبت صامدًا لئلا ينزلق في المتاهات. ومع أن الفتن لا حد لها ولا معيار، بالقياس النوعي لما تحمل من تناقضات غريبة ومختلفة تضيفها إلى محن الأمّة، فإن أشدها وقعًا وأعظمها جرمًا آنذاك سفك الدماء عشوائيًا، وقتل الناس دون سبب معروف، والفوضى في إزهاق أرواح الأبرياء، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: (والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتل، ولا المقتول فيم قُتل). وإذا أقبلت الفتن فإنّها تقبل عمياء تصطدم بكل شيء، وتقضي على كل شيء، تلك حالة مرعبة حقًا، إلاّ أنّ المؤمن اليقظ الذي يتعايش مع تعليمات أئمة أهل البيت عليهم السلام يتمكن من اتقائها على الوجه الأكمل. وأخيرًا نقول إنّ المؤمن حقّا والموحّد حقّا هو الذي يرى الله تعالى هو الفاعل والمؤثّر الأوحد في الوجود، وهو مصدر كلّ خير، وكلّ شيء من عنده من رزق وحياة وعلم وهُدى ويقين وثبات، وأضدّادها من نقص أنفسنا، وحقٌّ على الفقير الناقص العاجز أن يلجأ إلى الكامل الغني الجواد الحنّان المنّان. والتثبيت أمر من الأمور التي تبدأ من القلب، والله ربّ القلوب، وتنعكس في شتّى أرجاء النّفس والجسد والله كذلك ربّ الأجساد. فبالدرجة الأولى علينا أن ننصر الله ونلجأ إليه ليكون الأثر التثبيت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.