تفاصيل الحلقة

الحلقة الثانية عشر: الإحسان إلى الآخرين هو إحسان للذات

21 جمادي الأول 1443
مشاركة الحلقة
image

إعداد: آلاء طعمة. تقديم: سوسن عبد الله. المونتاج الاذاعي: خديجة الموسوي. ينظر كثير من الناس الى الاحسان كمفردة واضحة المعنى ولا تحتاج الى تفسير، وأن لفظها يدل على معناها البسيط، ولكن الاحسان في حقيقة الامر أعمق من المعنى اللفظي بكثير، وكذلك يظن كثيرون أن الاحسان، يتمثل بخدمة الآخرين على حساب الذات، وعندما يقوم الانسان بأعمال وأفعال يُحسن بها للاخرين، إنما يضحي من أجلهم فقط على حساب نفسه وراحته ومصالحه، لكن الامر ليس كذلك قطعا، فعندما تقدم الاحسان للاخرين، فلا يقتصر الامر على فوائد تقدمها لهم، وليس هم وحدهم المستفيدون من ذلك. بيد إن فائدة الاحسان الأهم، تتمثل بالفوائد الكبيرة التي يحصدها من يقدم الاحسان لغيره، وبهذا يمكن ان نفهم ونستدل على أن الاحسان لا ينحصر بالاخرين، وانما تشمل فوائده صاحب الاحسان بالدرجة الاولى، وفي مقدمة هذه الفوائد دنيويا، الراحة النفسية الكبيرة التي يعيشها ويشعر بها الانسان المحسن لغيره، واذا اردنا ان نذهب الى آفاق أبعد، فإن الجزاء الالهي عن الاحسان سوف يكون كبيرا في الآخرة، كما تدل على ذلك آيات قرآنية كثيرة، واحاديث شريفة تؤكد هذا الامر، لذلك على الانسان أن يفهم بأنه صاحب الفائدة الأكبر عندما يحسن بأفعاله وأقواله ونواياه للناس الآخرين. وان من مصاديق الاحسان مستمعاتي أن يندمج الاحسان مع روح الانسان وتفكيره، حتى يلازم افعاله طيلة حياته، فيتحول من صفة ربما تكون مؤقتة او مرحلية، الى ملَكة لا تزول إلا بزوال الانسان وانتقاله من الدار الاولى الى الاخرى. فينبغي ان يصبح الاحسان الى الآخرين ملَكة في ذات الانسان ترافقه في مختلف الاحوال، في الغنى والفاقة، في اليسر والعسر، في الفرح والحزن، وكثيرة هي مصاديق الاحسان، تبدأ من الكلمة لتنتهي الى الافعال والمواقف الكبيرة، ولكن كل هذه الامور والجوانب الفرعية التي تدخل ضمن الاحسان للاخرين، لابد أن تتأطر بوعاء كبير جدا يمكن أن نطلق عليه بـ (الاخلاق الفاضلة)، فالاحسان منبعه الاول والدائم هو الاخلاق التي يتحلى بها الانسان وهو يتعامل مع الاخرين، إذ غالبا ما نجد الناس من حملة الاخلاق الفاضلة، يقدمون الآخرين على أنفسهم ومصالحهم، وهم بهذا السلوك الاخلاقي الكبير، يؤكدون قدرتهم الفعلية على نكران الذات والاحسان للاخرين، فالاخلاق هنا من اهم مصاديق الاحسان. والإحسان إلى الخلق مستمعاتي له أبعاده الحضارية: غير اننا إننا نشهد اليوم صورة من صور الأنانية والفردية والذاتية التي باتت تهيمن على حياة فئة كثيرة من المسلمين ، بحيث لا تعنيهم إلا مصالحهم ومنافعهم الشخصية ولا يلتفتون إلى مسؤوليتهم وواجبهم الاجتماعي تجاه أفراد المجتمع من الفقراء والمساكين ، والأرامل واليتامى ، والمدينين والمعسرين ، وطلبة العلم والمحتاجين ، والأقارب والجيران ، وغيرهم كثير ممن أمر الله سبحانه ببرهم والإحسان إليهم . إن هذا السرور الذي تدخله على قلب المسلم قد يكون في القسط الجامعي الذي عجز الطالب الفقير عن أدائه لجامعته ، قد يكون في أجرة المنزل التي تراكمت عليه حتى أصبحت دينا ثقيلا لا يقوى على الوفاء به ، قد يكون في فاتورة العلاج التي لا يستطيع تحملها ، قد يكون في إعانته على نفقة أولاده وعياله مع ارتفاع أعباء الحياة والتزاماتها ، قد يكون في أن تبذل من جاهك ومكانتك ومن وقتك وراحتك لتفرج عن المكروب ، أو تنتصر للمظلوم أو تعين المبتلى، فهذه كلها من أسباب القرب إلى الله والفوز بمحبته ورضوانه.