تفاصيل الحلقة

الحلقة الرابعة: الوحدة النوعية للبشر

1445
مشاركة الحلقة
image

إعداد: نور الهدى أحمد. تقديم: آيات حسون. المونتاج الإذاعي: دنيا الحميري. دار محور هذه الحلقة حول الوحدة النوعية للبشر حيث قال تعالى في محكم كتابة العزيز (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) مهما كثرت الاختلافات بين البشر، فإن هناك ما يجمعهم. إن القرآن الكريم يشير الى أن الناس كلهم يرجعون الى جهة واحدة، كلهم لآدم وآدم من تراب. وعليه فالناس كلهم متساوون من الجهة النوعية الإنسانية بل وكلهم يرجعون الى عنصر واحد هو التراب. فكل الناس يتحدون في الإنسانية وفي هذا دافع لبني البشر أن يتوحدوا جميعًا، وألّا يرى المرء نفسه أفضل من غيره أو أرقى، بل في هذا دافع أكيد لخصوص المسلمين أن يتوحدوا في دائرة الإسلام. وبعبارة أخرى: إن القرآن الكريم يؤكد على الوحدة النوعية للبشر، فإذا وجدت دواعٍ أخرى للوحدة، فهذا يمثل دافعًا أقوى للتوحد، والمسلمون عندهم الدواعي الكثيرة التي تجعلهم وحدة واحدة، فمن ذلك وحدة شعائرهم الإسلامية على نحو العموم، ومن ذلك وحدة الشأن الإسلامي، وغيرها كثير، وعلى كل حالٍ فقوله تعالى (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) يشير الى جهة الوحدة بين أفراد النوع البشري. هذا من جهة، ولكن من جهة أخرى تأتي الآية لبيان أمر واقعي آخر وهو الاختلافات الواقعية بين البشر كما في قوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل) هنا تشير الآية الى أن الاختلافات التي وقعت بين البشر إنما هي بأمور عرضية لا ذاتية، وذلك الاختلاف أخذ مستويات عديدة أشار لها القرآن الكريم ونحن شاهدنا وجدانًا. فمن ذلك الاختلاف في الشعوب والقبائل الذي أنتج الأبيض والأسود والأحمر. ومنه الاختلاف في مجال الاقتصاد، الذي أنتج الخادم والمخدوم، والسيد والعبد، والغني والفقير، وأيضًا الاختلاف بالألسنة والألوان كما في قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) وقد قيل إن اللغات الموجودة لدى البشر تتراوح بين (4000) الى (5000) لغة. الاختلاف في الانتماء الديني والمذهبي قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ومن ذلك الاختلاف في بصمة الإبهام الإيسر الذي استفيد منه كثيرًا في المباحث الجنائية، فمع أن البشر يرجعون الى أصل واحد هو رجوعهم لآدم وآدم من تراب، لكن توجد الى جانب ذلك الكثير من نقاط الاختلاف العرضية. وهنا سؤال مهم: هل هذا الاختلاف الذي جعله الله تعالى أمرًا واقعيًا بين البشر هو مدعاة للتناحر والتنافر بينهم أم لأجل شيء آخر؟ ممكن أن نجيب بأن الاختلاف هو رحمة ونعمة كونية ماضية مستمرة في الحياة عامة وبين الناس خاصة، وأن الاختلاف حتمي باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسبب الاختلاف ينطوي على مقصد رباني حكيم بالغ في الحكمة والتعقيد تحت دائرة المباحات، ألا ترى أنّ الأشياء تصبح مملة رتيبة عديمة الفائدة حين تتماثل فلذلك قال سبحانه تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلكَ خَلَقَهُمْ" فيجب علينا الاستسلام بأن الاختلاف في الرأي، وتتعدد النظر في تفسير المسائل والحكم عليها أمر طبيعي فطري، يتناسب مع طبيعة تفاوت الناس في المعرفة وفي فهم المسائل، ويقتضه كذلك اختلاف طبائعهم ونفوسهم، فمن الناس من يميل إلا الحزم والشدة ومنهم من يميل إلى اليسر والسماح، ولعلّ الانغلاق على لون واحد والنظر الضيق تغلب عليه السطحية والتعصب وضيف الأفق وسعة التقبل...